تقرير حول نكبة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني بعد 10 سنوات

Share:
11111111
يصادف يوم 15 يونيو/حزيران من كل عام، ذكرى سوداء حملت في طياتها المآسي والأوجاع والمصائب للفلسطينيين، تسببت في تشتيت وحدتهم وهدم بيتهم الداخلي، وأبقتهم حتى اللحظة يعانون نيرانها المشتعلة ويتجرعون مرارتها ويتعايشون مرغَمين ومجبَرين مع ويلاتها التي لم ترحم أحداً.


"الانقسام الفلسطيني الداخلي"، مأساة ووجع بحجم نكبة يعيش الفلسطينيون ذكراها للعام العاشر على التوالي، بعد فشل كل الجهود "المحلية والعربية والدولية" في رأب الصدع الفلسطيني، وإعادة ترتيب ما بعثره الانقسام والخلافات السياسية التي دفع المواطنين ثمنها غالياً.. ولا يزالون يدفعون.

صفحة الانقسام السوداء والقاتمة نبذها كل فلسطيني، فطوال السنوات العشر الماضية كانت تتصدر عناوين وسائل الإعلام المختلفة، بحديث عن مبادرة هنا ولقاء آخر هناك، لكن سرعان ما ينتهي ذلك بالعودة من جديد لمسلسل "الردح الإعلامي"، لتعيدهم إلى نقطة الصفر وكأن الانقسام أصبح صديقاً مرغوباً فيه رغم ثقله!

انقسام قائم.. وأمل ضائع


الفلسطينيون في الداخل والخارج، جميعهم متضررون من الانقسام وأصابتهم ويلاته، لكن.. هناك في قطاع غزة من يدفع ثمنه 5 أضعاف وأكثر، من حصار "بري وبحري وجوي" وتجويع وبطالة وفقر، وحروب إسرائيلية لم ترحم أحداً وخلفت آلاف الشهداء والجرحى وأبقت العائلات في العراء.

مواطنون من غزة أعربوا في أحاديث خاصة لـ"الخليج أونلاين"، عن تشاؤمهم من المرحلة المقبلة، في ظل استمرار الانقسام الداخلي والتباعد الحاصل بين حركتي "فتح" و"حماس"، محملين الحركتين المسؤولية عن "النكبة الجديدة".

الحاج فادي بحور (73 عاماً)، من سكان حي الشيخ رضوان غربي مدينة غزة، يقول: "الانقسام الداخلي أضرَّ كثيراً بالقضية والمشروع الوطني، وأضاف لنا نكبة جديدة ندفع ثمنها غالياً من أرواحنا وأجسادنا".

ويتابع حديثه: "فتح وحماس هما المسؤولتان أمام الشعب عن هذه النكبة وويلاتها الخطيرة؛ فقطاع غزة يدفع الثمن أضعافاً عن أي فلسطيني آخر، فهو الذي يتعرض للحصار والدمار والفقر والبطالة ومنع السفر والحروب الإسرائيلية، وغيرنا يتضامن ويتحسر فقط".

ويشير الحاج بحور إلى أن "التاريخ سيلعن كل فلسطيني أسهم في إطالة عمر الانقسام وتغذيته، بناءً على مصالح شخصية أو حزبية أو سياسية أو لأجندات خارجية، وستبقى هذه الصفحة السوداء مفتوحة حتى تحقيق الوحدة التي نراها بعيدة وبعيدة جداً".

الطالب ياسين المسارعي (23 عاماً)، كان أكثر حدّة في انتقاده حركتي "فتح" و"حماس"، مؤكداً أن "قادة الحركتين يجب أن تُنصب محاكم شرعية لهم أمام الشعب الآن قبل الغد، ويحاكموا بسبب ويلات الحصار والخناق اللذين تسببوا فيه لشعبنا الفلسطيني وما نتج عنهما من تقسيم للوطن، وحرف البوصلة عن الاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف: "الانقسام أضر بنا جميعاً، وخاصة غزة التي يتآمر عليها الجميع من الخارج، فلم يكفهم الحصار والألم والتجويع والحروب والبطالة والفقر؛ بل يحاول قادة فتح وحماس تعميق الخلافات الداخلية وتشتيت البيت الفلسطيني، والإضرار بالقضية أمام العالم أجمع، وتقديم خدمة للاحتلال، الذي طالما تمنى انقسام الفلسطينيين".

ومرت 10 سنوات على الأحداث التي خلفت الانقسام والنزاع الفلسطيني بين حركة حماس التي سيطرت على قطاع غزة، وحركة فتح والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، هذه الأحداث أدت إلى تدهور الأوضاع السياسية والإنسانية والاقتصادية الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة.

وشهد الانقسام هذا العام تزايداً ملحوظاً بعد أن أعلنت السلطة في الضفة الغربية تقليص الخدمات التي تقدمها في قطاع غزة، وخاطب الرئيس محمود عباس "حماس" في غزة، قائلاً: "إذا أردتم حكم قطاع غزة فعليكم تحمّل أعباء الحكم كاملة".

وشملت الإجراءات تقليص رواتب الموظفين الحكوميين المستنكفين عن العمل في القطاع، وعددهم 60 ألفاً، بنسبة 30 في المئة، وتقليص المبلغ المدفوع لاستهلاك الكهرباء والأدوية والخدمات الصحية وغيرها.

وأدت إجراءات السلطة، "غير المسبوقة" في غزة، إلى تفاقم الأزمات التي يعيشها القطاع المحاصَر؛ فبات يعاني أزمة انقطاع التيار الكهربائي، فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة في القطاع عن 43%، ونسبة العائلات التي تعاني الفقر عن 65%، في حين أن أكثر من 85% من السكان يعتاشون على المساعدات الدولية.

يشار إلى أن "إسرائيل" شنت 3 حروب مدمرة على القطاع أعوام 2008، و2012، و2014، راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين بين شهداء وجرحى، إضافة إلى تدمير البنية التحتية للقطاع بشكل شبه كامل.

من المسؤول عن استمرار الانقسام؟


حركتا "حماس" و"فتح"، حتى في الذكرى العاشرة للانقسام الداخلي، تبادلتا الاتهامات فيما بينهما حول الجهة المعطلة لإتمام المصالحة والتي تغذي الانقسام، فأكد عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، يحيى رباح، أن حركته "مستعدة الآن للجلوس على طاولة المصالحة، لكن حماس تعيق ذلك التوافق الداخلي".

وأضاف رباح لـ"الخليج أونلاين": "الكثير من المبادرات التي قُدمت من قِبل دول عربية وكان آخرها قطر، كانت هامة وإيجابية وأبدت حركة فتح مرونة كافية واستعداد تام لتطبيقها، لكن ما يصدر عن حماس من قرارات في اللحظة الأخيرة يكون العقبة الأكبر لإفشال تلك المبادرات وإيصالها لطريق مسدود".

ولفت إلى أن "حركة حماس مطالَبة الآن ببذل جهد أكبر لإتمام المصالحة، والتوجه بِنيّة جادة لإزالة كل العراقيل والعقبات التي تعترض طريق الوحدة الداخلية، وحل اللجنة الإدارية التي شكلتها في غزة، والبدء بحوار وطني جاد".


تصريحات القيادي رباح، ردَّ عليها الدكتور إسماعيل رضوان، القيادي البارز في حركة حماس، رافضاً اتهام حركته بإفشال جهود المصالحة، مؤكداً لـ"الخليج أونلاين" أن "المصالحة باتت الآن في يد الرئيس محمود عباس، وهو الذي أصدر قراراً بتعليقها، وبات يرهنها الآن بالتطورات السياسة الجارية في المنطقة، خاصة بملف المفاوضات مع إسرائيل".

وشدد على أن "حماس قدمت كل المرونة الكافية لإتمام المصالحة، لكن ليس على حساب المقاومة وسحب سلاحها من قطاع غزة، التي يعتبرها الرئيس عباس شرطاً للوحدة الداخلية".

وفي ضوء الخلافات القائمة بين "فتح" و"حماس" وفشل كل المبادرات التي طُرحت لتقريب وجهات النظر بينهما، أكد المحلل السياسي إبراهيم أودية، أن الشعب الفلسطيني هو الضحية الأولى والأخيرة من استمرار الخلافات بين "فتح" و"حماس".

وأضاف: "الصراع بين فتح وحماس يطحن هذا الشعب، وتحقيق المصالحة في ظل الظروف الحالية بات أمراً صعب المنال، ولكن سيكون قطاع غزة أكثر المتضررين من ويلات هذا الانقسام، المتوقع أن يستمر سنوات أخرى إضافية".

ولفت المحلل السياسي إلى "عدم وجود أي أفق سياسي واضح يساعد في إتمام المصالحة"، مؤكداً أن "كل المبادرات السابقة فشلت، والقادم سيكون أخطر وأشد في ظل الانقسام القائم".

وفي الأسبوع الأخير، شهد قطاع غزة تطوراً لافتاً؛ بالإعلان عن توصل وفد من "حماس" إلى تفاهمات أمنية مع الحكومة المصرية، وأخرى سياسية مع النائب محمد دحلان، الذي يقود جناحاً في "فتح" ويعيش مبعَداً في الخارج بعد فصله من الحركة.

يذكر أن الحركتين وقعتا على مدار 10 سنوات العديد من الاتفاقيات في عدد من العواصم العربية؛ كاتفاق مكة، والدوحة، والقاهرة، إلا أن جميع الاتفاقيات لم تجد السبيل للتطبيق على الأرض، واستمرت حالة الانقسام، وسط الاتهامات المتبادلة بين الطرفين عن مسؤولية هذا التعطيل.

ليست هناك تعليقات